نقاش قاتل…

 

نقاش قاتل…

لم أكن لأخوض في هذا النقاش على الإطلاق لو لم تتطور الأمور إلى هذا المستوى الخطير من الإسفاف وتهديد حياة الناس. أتحدث طبعا عن تلك الحرب المجانية التي قادها المدعو “عبد الله نهاري” ضد الزميل المختار الغزيوي من جريدة الأحداث المغربية إلى درجة جعلته يهدر دمه بكل رعونة غير واع بخطورة الكلمات التي تفوه بها.

طبعا أن تعرفون الحكاية، ومبتدأها، نقاش ساخن حول الحريات الجنسية خصص له كاتب هذه السطور ثلاث مقالات متلاحقة وساهم فيه الكثيرون ومن بينهم المختار الغزيوي الذي ذهب أبعد من ذلك وقبل المشاركة في قناة شرقية لم تكن معروف كثيرا عند المغاربة من خلال برنامج حواري حول موضوع “الحريات الجنسية في المغرب” وكان من الممكن أن يمر كل شيء بسلام لو لم يجب المختار عن سؤال لمقدمة البرنامج لم يكن من داع له غير الإثارة المجانبة للحكمة ، لتقوم القيامة بعد ذلك، إذ انطلقت الحرب المجانية على الرجل في الفايسبوك عندما أطلقت صفحة تدعو بنكيران لمحاكمة الغزيوي عما قاله وبدر منه، وهو ما كان يمكن اعتباره تطورا طبيعيا للأمور في إطار جنوح النقاش إلى اللسلم حتى لو كان حادا لولا أن المدعو عبد الله نهاري المشهور بحماسته المتطرفة أثناء الكلام إلى حوارييه سب الغزيوي داعيا إياه بالديوثي الذي يستحق القتل.

عندما يقوم فقيه يعتبره الكثيرون “ممثلا لله في الأرض” بإطلاق عبارة ك”يستحق القتل” في حق شخص ما ويتبعها بدليل من السنة على شاكلة حديث صريح مفاده أن “اقتلوا من لا غيرة له”، وعندما يكون لهذا الشيخ أتباع، ويكون له مستمعون متطرفون مليئون بالعقد النفسية والأزمات الأخلاقية ويكون لهذا الفقيه سلطة معنوية على الكثير من المتطرفين منهم فإن كلام الفقيه يتحول إلى دعوة صريحة للقتل قد يقوم لها أي “غيور على دين النهاري” (وليس دين الله، فحاشا أن يكون ديننا على هذا القدر من التطرف)، ولكل هذه الأسباب فكلام السيد نهاري خطير جدا بما يكفي ليجعله عرضة لتحقيق قضائي عاجل من طرف السلطات المختصة بغض النظر عن الدعوى القضائية التي أعلنت جريدة الأحداث المغربية عن رفعها ضد الرجل.

شخصيا، أختلف في أشياء عديدة مع الزميل المختار الغزيوي ولكنها تبقى جميعها منحصرة في الكيفية لا في الجوهر، في الوصفة وليس في المقادير، ولكني وحتى أكون معكم صريحا فأنا أختلف مع شخص كالنهاري في كل شيء تقريبا، مع العلم أني لا أعرف أيا منهما بشكل شخصي ولم يسبق لي التشرف بمعرفتهما وما أحاول أن أقوله هنا هو أني أولا أتضامن مع زميلي في المهنة، ومع الحق الذي يمثله حق زميلي في الحياة، ومع الحق الذي يمثله حق كل واحد منا في التعبير عن رأيه دون أن يجر عليه ذلك تكفيرا أو تجريما أو ما شابه ومن كانت له قدرة على التنابز بشيء فليتنابز بالأفكار لأن السب والشتم حجة الفاشلين الجاهلين.

لقد أبديت رأيي في مسألة الحرية الجنسية وقلت أن المقصود بالعبارة ليس مدلولها العام، لأنها في الأساس مقولة تقوم على أسس شرعية، وحاولت أن أثبت بالمنطق وبالعقل وبالدين نفسه أن الفصل 490 مخالف للطبيعة البشرية أولا، وللدين نفسه ثانيا. وكان على النقاش أن يتوقف عند هذا المستوى، هذا يكتب رأيه، وذاك يورد تحليله، والآخر يسب كما يشاء وينتهي الموضوع بعد حين كما تعودنا في هذا المغرب الحبيب دائما، ولكن السيد النهاري لم يرد للأمور أن تهدأ وجعلها تصعد عنان السماء بكل رعونة متخيلا أن الكلام الذي قاله لا يعتبر تحريضا على فتنة قال الله تعالى عنها في القرآن الكريم أنها أشد من القتل. فما بالك لو كان النهاري قد أطلق شرارتهما معا، الفتنة والتحريض على القتل.

كان على النهاري أن يسلك مسلكا آخر مادام قد استفزته تصريحات الغزيوي، وكان عليه لو كان عالم دين حق أن يتكلم عن عمق الفكرة وأن يداول الأفكار ببعضها وأن يحاول إقناع الناس من حوله أنهم ملائكة لا يفعلون شيئا في الخفاء داخل الغرف المغلقة دونهم هم ومن معهم، أيا كان، حتى لو كان شريط فيديو من “اللي بالي بالكم”. كان على النهاري أن ينظر في عيون من يخطب فيهم ويرى مما إذا كانوا جميعا ملائكة لا يعيشون الحرية الجنسية المسروقة من خلف القوانين، وما إذا كانوا يتعففون بالصوم والصلاة حقا أم أنهم يفعلون أشياء أخرى تروح عنهم وعن غريزتهم الجنسية على غرار باقي خلق الله. كان على السيد النهاري أن يبحث عن الملائكة بين صفوف أحبته مادام هو شخصيا قد بلغ درجة “الملاك” من وجهة نظر الكثيرين.

تضامني المطلق مع الزميل المختار لغزيوي..انتهى.

Comments are closed.