المُسلسلات التُركيّة.. داءٌ وسط المجتمع المغربيّ أم دواءٌ له؟

 

المُسلسلات التُركيّة.. داءٌ وسط المجتمع المغربيّ أم دواءٌ له؟

“ماتنسانيش”، “العشق الممنوع”، “فاطمة”، “حريم السلطان”، “نور”، “عاصي”، “سنوات الضياع”، “ويبقى الحب”، “بائعة الورد”، “وتمضي الأيام”، “نساء حائرات”.. كلها مسميات لا يتذكرها المغاربة كثيرا بقدر ما يتذكرون لميس ومهند وسمر وفاطمة وكريم وخلود.. وهي الأسماء التي لقيت لها مكانا في كنانيش الحالة المدنية بعدما لقيت قبولا وإقبالا من لدن الأسر المغربية التي لا تنفك من مشاهدة ماركة من ماركات المسلسلات التركية الغازية للبيوت من دون استئذان.

الإقبال الشديد على مشاهدة مسلسلات أحفاد العثمانيين، بلغة أهل الشام، بات “ظاهرة اجتماعية” حسب أستاذ علم الاجتماع عبد الرحيم العطري، “أصبح المجتمع المغربي بهذه الظاهرة يتجه نحو ما بات يعرف في أمريكا بظاهرة آكلي البطاطس (تْشِيبْسْ) الذين يقضون أكثر من 6 ساعات أمام التلفاز، وصار الفرد المغربي يميل إلى الفردانية والعزلة بصحبة التكنولوجيا (مع التلفاز والأنترنت والهاتف..)، يبررها الفراغ وغياب المؤسسات المحتضنة سواء أكانت تقليدية، كالجار والحومة، أو سياسية وثقافية لم تعد تقدم عروضا مغرية وآمنة” يضيف ذات المحلل السوسيولوجي.

سعيد.. وصفعة “ماتنسانيش”

يحكي سعيد، وهو سائق طاكسي من مراكش، كيف دخل مرة إلى بيته فوجد ابنته الصغيرة تأكل عودا يكاد يحبس أنفاسها، فيما الأم مع حماتها غارقة في بحر مسلسل “ماتنسانيش” التركي.. سعيد لم يتمالك نفسه ووجه صفعة لزوجته، قال عنها إنها لن تتمكن من نسيانها طوال حياتها.

واعتبر سائق الطاكسي، خلال دردشة قصيرة، أن التلفاز “يجب أن يغيب من داخل البيوت المغربية”، وذلك لأن المسلسلات الوافدة علينا، يضيف سعيد، “سلبت من بيوتنا الحياء والوقار والاهتمام بأولويات عيشتنا”.

كريمة.. وتكرار الحلقات

“أتابع بشغف مسلسل العشق الممنوع.. وأعاود حلقاته التي تبث كل مرة في الفضائيات العربية” تفصح كريمة، وهي مستخدمة بإحدى الشركات الخاصة، عن مسلسلها التركي المفضل والذي لاقى شهرة واسعة داخل عدد من الأسر المغربية.. أما أختها نسرين فتقول إنها دخلت وسط روتين قاس جراء متابعة هذا المسلسل وتكراره، قبل أن تزيد “في بعض الأحيان أستفيد من طريقة لباس الممثلات وتزيين البيوت”.

مضى الزمن مع هاته المسلسلات..

الحاجّة فاطمة، وهي في السبعينيات من عمرها، فتقول إنها تتابع لقطات قصيرة من مسلسل”خلود”، حيث تجتمع مع أسرتها لمشاهدته.. مثيرة تفضيلها متابعة المنتجات الفيلمية الدينية التي تبثّها عدد من الفضائيات، قبل أن تزيد فاطمة أن “زمن الحياء مضى”، “كنت أستحي من والدي وأغطي انتفاخ بطني وأنا متزوجة وحُبلى.. أما الآن فقد تغير الأمر جراء تأثير التلفاز في أبنائنا” تتحسر الحاجة فاطمة.

عبد الرحيم العطري: المسلسلات التركية صارت دواء لجراحنا الاجتماعية

بنظرة سوسيولوجية يقول عبد الرحيم العطري أستاذ علم الاجتماع الباحث بكلية الآداب العلوم الإنسانية بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، إن المسلسلات التركية “صارت بلسما يداوي جراحاتنا وتقدم لنا نقيض الواقع الذي نعيشه، كالأسرة الناجحة والجمال والسفر، التي يصورها لنا مخرجون خبراء”، “لن تجد أي لقطة أدرجت بالصدفة.. فالكل مرتب ومدروس بدقة وإتقان” يضيف العطري.

أما عن تأثير ظاهرة إقبال الأسر المغربية على مشاهدة المسلسلات التركية، فيقول الباحث السوسيولوجي إن المغرب “لا يتوفر حاليا على دراسات تؤشر على آثار واضحة لهذه المنتجات التلفزية على المجتمع، لكنه يمكن تقديم بعض المؤشرات على تأثير هاته الظاهرة”، وزاد عطري: “لاحظ أحد الطلاب الذين أشرف على بحوثهم أن الأسر المغربية اتجهت إلى تسمية مواليدها الجدد وتسجيلهم في سجلات الحالة المدنية بأسماء أبطال مسلسلات التركية.. كمهند وخلود وغيرهما”.

“المؤشر الثاني يلمس العلاقات الزوجية التي بات يحكمها، في بعض الأحيان، وجود النموذج المفارق.. فمثلا نجد أن مهند في مسلسلاته يعامل زوجته أو صديقته برقة وحنان، بينما تلاحظ بعض الزوجات المغربيات غياب هذا التعامل من طرف أزواجهن” يزيد العطري قبل أن يسترسل: “لا يمكن أن نبرر بعض السلوكيات والممارسات التي نسمع بها، من هنا وهناك، ونربطها بطريقة ميكانيكية بتأثير المسلسلات التركية، لأن الأمر فيه اختزال وتعسف.. مثل ما يتم تناقله على أن مسلسل خلود أدى إلى انتحار شاب أو سرقة بيت.. فالفعل الاجتماعي للإنسان بالغ في التعقد لتحليل الظواهر المجتمعيّة”.

المسلسلات التركية “لجوء اجتماعيّ” لبعض المغاربة

أيّاً كانت المسلسلات، يقول عبد الرحيم العطري، فهي تعتبر رسالة إعلامية تنفذ إلى أذواق ومخيلات وسلوكيات الفرد لتغيرها، حيث صرنا ننتمي إلى “الدولة التلقراطية”، أي الدولة التي صار فيها الإعلام مكونا أساسيا التنشئة الاجتماعية ومتحكما في إنتاج حياتنا عبر وسائل سمعية بصرية، وكذا افتراضية كالفيسبوك.

ويوضح العطري في حديثه كيف أن المسلسلات التركية جاءت لتعوض الدراما المصرية التي تعود عليها المغاربة حتى عافوها، وعوضت الدراما السورية التي انتصر لها المغاربة قبل الزمن، كما جاءت لتقدم للمغاربة عرضا مغريا بمقاربة جديدة، وتتحدث عن قيم إنسانية كالحب، لكن بصورة جميلة وممثل وسيم وموسيقى رائعة.. هي تجيب عن تصدعاتنا الاجتماعية حتّى صرنا نبحث عن اللجوء الاجتماعي والإعلامي نحو المسلسلات التركية التي تحررنا مما يشغلنا في الواقع.. يقول ذات الباحث.

ياسين أحجام: لست ضد الانفتاح .. لكن وجب دعم الانتاج الوطني

قال الممثل المغربي ياسين أحجام إن المسلسلات التركية “لا تلبي رغبات المجتمع المغربي ولا تعالج مشاكله اليومية، لكونها لا تمثل هويته.. هذا في الوقت الذي يجب أن تكون نسبة المسلسلات المدبلجة بالتلفزيون المغربي محددة ومعقلنة دون طغيان للإنتاج الأجنبي على حساب نظيره الوطني”.

ويضيف بطل سلسلة “رمانة وبرطال” قوله: “لست ضد الانفتاح على ثقافات وفنون الآخر، فالدراما التركية لها ايجابيتها كما لها أيضا سلبياتها التي قد تطغى على سلوكيات وعقليات المجتمع المغربي.. والانفتاح على هذه الإنتاجات وغيرها ضروري، لكن مع التمحيص والعقلنة على أيدي خبراء ومتخصصين وعلماء مغاربة، كما ينبغي الاعتناء بالإنتاج الوطني وتحصينه مع دعمه رغم الإكراهات المادية التي تطبعه”.

Comments are closed.