جدل حاد “يسابق” مشروع القطار فائق السرعة في المغرب

 

جدل حاد “يسابق” مشروع القطار فائق السرعة في المغرب

يستعد مناهضو مشروع القطار الفائق السرعة “تي جي في” في المغرب لإطلاق مبادرات جديدة خلال الصيف الحالي، تطالب بإلغاء هذا المشروع الأول من نوعه في إفريقيا، والذي الذي مايزال يثير الكثير من الجدل.

يكاد يمضي عام كامل على إطلاق مشروع “القطار الفائق السرعة” في المغرب والذي سيربط بين الدار البيضاء وطنجة (شمال المغرب)، إلا أن الجدل الذي يثيره الموضوع لا يهدأ أبدا. ويصر معارضو المشروع على ضرورة إلغائه أو تأجيله، في حين تبنت حكومة عبد الإله بنكيران المشروع، بينما كان حزب العدالة والتنمية (الإسلامي) يعارضه أيام كان في صفوف المعارضة.

“حركة 20 فبراير” التي تنادي بإصلاحات عميقة في المغرب كانت دخلت أيضا على الخط وطالبت الرئيس الفرنسي الجديد فرانسوا هولاند فور تنصيبه، بإلغاء المشروع معتبرة إياه مشروعا”ظالما للشعب المغربي”. كما أحدث المعارضون صفحات على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك تطالب بإلغاء المشروع، باعتبار تكلفته المالية الكبيرة التي يمكن أن يتم استغلالها في بناء آلاف المدارس في القرى المغربية، حيث يضطر التلاميذ هناك إلى قطع مسافات بعيدة للوصول إلى مدارسهم بسبب قلة المدارس وغياب وسائل التنقل إليها.

أسباب اقتصادية أم سياسية؟

وكان العاهل المغربي، الملك محمد السادس، قد أعطى في سبتمبر/ أيلول2011 رفقة الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، انطلاقة أشغال مشروع القطار فائق السرعة، الذي يتوقع إنجازه بتكلفة إجمالية تبلغ 20 مليار درهم (2.5 مليار دولار). مبلغ يعتبره معارضو المشروع “هائلا” ويجدر توظيفه في مشاريع اجتماعية تنموية أكثر استعجالا. ويتوقع أن يكون القطار جاهزا لنقل المسافرين في نهاية عام 2015. توقعات مكتب السكك الحديدية في المغرب تشير إن أن ثمانية ملايين راكب سيستقلون سنويا القطارات الفائقة السرعة مقابل مليونين فقط في الوقت الحالي. وسيقلص القطار، موضوع الجدل، المدة بين الدار البيضاء و طنجة (أكبر مركزين اقتصاديين في المملكة) إلى ساعتين و10 دقائق عوض أربع ساعات و 45 دقيقة.

ويدافع وزير النقل والتجهيز في الحكومة الحالية عزيز رباح، و هو أحد قيادات حزب العدالة والتنمية الحاكم، عن هذا المشروع مؤكدا على أهميته الاقتصادية والاجتماعية. واعتبر الوزير أن الجدل الدائر حول الموضوع يذكر بالنقاشات التي واكبت إنجاز مشاريع اقتصادية كبرى في الماضي، مثل مشروع الطرق السيارة وإنشاء السدود وتشييد التراموي…وهي مشاريع أثبتت حسب الوزير “نجاعتها وقيمتها الاقتصادية والاجتماعية” رغم كل هذا الجدل.

تغير موقف العدالة و التنمية من المشروع أثار استياء البعض، حيث كان الحزب يهاجم المشروع عندما كان في المعارضة، على أن بعض وزراء الحزب مازالوا حتى الآن يعارضون المشروع. مراقبون يعتبرون أن الحزب وجد نفسه “متورطا” في مشروع بث الأمر فيه قبل توليه السلطة.

عبد العالي حامي الدين عضو الأمانة العامة للحزب الإسلامي قال خلال حديثه لDW إن مشروع “تي جي في” قديم، وانطلق من دراسات قديمة تعود لعهد حكومة عبد الرحمن اليوسفي، معتبرا أن الجدل حوله يحمل طبيعة سياسية أكثر منها تقنية، “هو مشروع يفوق البرنامج الحكومي و تتدخل فيه أطراف خارجية، والحكومة السابقة صادقت عليه وبالتالي لا يمكن للحكومة الحالية التراجع عنه”. ويشير البرلماني المغربي إلى أن 80 بالمائة من الدراسات المتعلقة بالمشروع أنجزت في مرحلة سابقة، وأن النقاش الدائر حاليا حول المشروع كان ينبغي أن يتم قبل مرحلة الدراسات والتدشين والتمويل الخاص بالمشروع. أما اليوم “فلا يمكن للمغرب التراجع عن التزاماته مع شركائه الدوليين المساهمين في المشروع”. ويقصد حامي الدين فرنسا وبعض بلدان مجلس التعاون الخليجي. وأضاف النائب البرلماني أن وجهة النظر التي تدعو لإلغاء المشروع أو تأجيله “تحترم ولها ما تستند عليه”، ولكن هذا النوع من المشاريع الكبرى تكون لديها مردودية مهمة على المدى البعيد، و”يجب أن لا ننسى أن المغرب سيكون الدولة الإفريقية الوحيدة التي تتوفر على هذا القطار، وهذا يعني أن المغرب سيصبح موقعا استراتيجيا متميزا يجلب السياح و المستثمرين”.

“هدية لفرنسا؟”

وبينما يحاول المدافعون عن المشروع الترويج للنتائج الاقتصادية الإيجابية التي سيخلقها هذا المشروع، و على رأسها جذب الاستثمارات الخارجية و رفع مداخيل السياحة، يعتبر مناهضوه أن المشروع يعود بالأساس لأسباب سياسية، على رأسها استثمار الرأسمال الفرنسي في المغرب بهدف تعزيز التحالف الاستراتيجي مع الفرنسيين في المنطقة.

وكانت الشركة الفرنسية “ألستوم” قد حصلت على مشروع بناء 15 قاطرة بما قيمته 400 مليون يورو، في صفقة مباشرة مع السلطات المغربية و دون المرور عبر مناقصة دولية.

عبد السلام أديب باحث اقتصادي مغربي قال لDW إن مشروع القطار الفائق السرعة ليست له جدوى اقتصادية بل له بعد سياسي. ويصف أديب السياق الذي جاءت فيه هذه “الصفقة” قائلا، ” فرنسا تعاني من أزمة اقتصادية، وساركوزي الذي كان مقبلا على الانتخابات ربما كان يعتقد أنه سينجح في استثمار المال الفرنسي في المغرب، لكن ذلك خسارة كبيرة لنا، هو مبلغ ضخم سندفعه على مدى عقود طويلة”. موازنة المشروع كان يمكن استغلالها في توفير قطارات جديدة وتسريعها وتمديد السكك إلى مدن بعيدة أو توفير بنيات تحتية، المغرب في حاجة لها كما يقول أديب. وأضاف أن المشروع جاء ليحل “أزمة الفرنسيين وليس المغاربة، ويجسد موقفا سياسيا خاطئا هو عبارة عن مقايضة من أجل ضمان التحالف مع الفرنسيين”.

تقارير صحفية مغربية اعتبرت أن “ملامح استفادة فرنسا من المشروع بدأت تتضح” وذلك من خلال توظيف عشرات المهندسين الفرنسيين في المشروع، وبأنه أنقذ الكثير منهم من شبح البطالة.

“مشروع غير مضمون النتائج”

وردا على أن المشروع سيرفع من مداخيل السياحة، يقول أديب” هذه خرافة لأن السياحة تحتاج للبنيات التحتية، موازنة المشروع كان يمكن استغلالها مثلا في بناء فنادق و متاحف ومراكز ثقافية ومنتجعات سياحية ضخمة، هي مجرد مبررات لخداع المغاربة”. وبينما تؤكد إدارة السكك الحديدية في المغرب على أن الطلب يتزايد على تكنولوجيا السرعة الفائقة، مما يعني ضرورة تطوير النقل السككي في المغرب، يعتبر أديب أن “المغربي العادي لن يكون بإمكانه دفع تذكرة هذا القطار التي ستتحد على أقل تقدير في 700 إلى 1000 درهم (حوالي 100 يورو) “وبالتالي فإن فئة محدودة من المغاربة هي من ستستفيد من القطار حسب أديب.

وشكلت عدة جمعيات حقوقية ائتلافا مدنيا مناهضا للمشروع، من أعضاء هذه الائتلاف سيون أسيدون مناضل يساري مغربي، قال في حوار معDW إن المشروع “أكبر من مجرد حديث عن قطار سريع سيربط بين طنجة والدارالبيضاء، بل هو مشروع سيرهن المغرب على عدة مستويات”، والأخطر يضيف سيون “الخطاب غير المسؤول الذي يحاول الإيحاء بأن المغرب سيثابر لتعميم مشروع “تي جي في”، دون أي تدقيق في طريق تمويل هذا المشروع الفرعوني”. ويعتقد الحقوقي المغربي أنه “يستحيل على المغرب مجرد التفكير في هكذا مشروع في وقت تتخلى فيه فرنسا نفسها عن بناء أي خط جديد من هذا النوع، بسبب الكارثة المالية التي تسبب فيها بناء واستعمال هذه القطارات خلال السنوات الأخيرة”.

 

Comments are closed.