مواطن شيلي يتخصص في حِرَف المعمار المغربي

 

مواطن شيلي يتخصص في حِرَف المعمار المغربي

كلاوديو مانويل بوردونيس، مواطن شيلي تحول، منذ بدا يعمل بمسجد كوكيمبو، من مجرد عامل مياوم بسيط إلى عامل مشحون بالحيوية والانضباط لدرجة يمارس فيها يوميا عدة أعمال مكتسبة بعشق استثنائي بفضل المسجد التابع لمركز محمد السادس لحوار الحضارات، وكذلك، بفضل الأثر الفني الذي اقتنصه بذكاء من حرفيين مغاربة متخصصين في فنون المعمار المغربي مثل صناعات الخزف والزخرفة والفسيفساء والنقش على الجبس والخشب.

الاحتكاك القوي مع فضاء المسجد خلال أطوار بنائه مع الحرفيين المغاربة العشرة الذين جاءوا رفقة المهندس المعماري فيصل شرادي الى الشيلي عام 2004 في مهمة لبناء معلمة المسجد، كان له أثر بالغ وحاسم في تحول شخصية المواطن كلاوديو و مساره المهني والحياتي وهو الذي لا يتوانى في الإعتزاز بالثقافة المغربية بأبعادها الدينية والحضارية و بكل ما اكتسبه وتعلمه من حرف فنون المعمار المغربي، وكان عشقه لهذه الفنون ينمو بالتوازي مع نمو وتطور مختلف الأنشطة الثقافية التي ينظمها مركز محمد السادس باستمرار وفق شعار ثقافي استراتيجي “حوار الحضارات” الذي استلهم منه كلاوديو عصامية فن التعلم لحرف المعمار المغربي بالرغم من استحالة التحدث بالعربية او بالعامية المغربية، و كان يعتمد كثيرا على لغة سيميائية حيث الإشارات والحركات والإيماءات ساعدته على فهم كل ما كان الحرفيون المغاربة يريدون تعليمه إياه من فنون زينت المسجد بجماليات معمارية مغربية جذابة ظلت تحفز الآلاف من الشيليين والأجانب على زيارته باستمرار، لكن هذه اللغة أفادته، كذلك، على المستوى الإنساني بأن أكسبته أصدقاء مغاربة ظل يعتز بهم من بعيد و يتذكر جميلهم و خصالهم النبيلة و يحلم بإمكاينة تجديد اللقاء بهم في يوم ما.

عندما سألته عن بداية عشقه للنقش على الجبس، أجابني :”عشقي لهذا النوع من الحرف ابتدأ في اليوم الأول الذي وصل فيه الحرفيون لبناء المسجد و عند رؤيتهم للوهلة الأولى أعطونا انطباعا بأنهم سيحققون عملا مذهلا، و لما انطلقوا في الإعداد و في نقش مواد الجبس كان عملهم حقا مذهلا و رائعا، و لم يسبق لي ان رأيت مثله في الشيلي، و لاحظت انه عند اشتغالهم كانوا يضفون قيمة فنية كبيرة على الجبس و هو شيء غير موجود عندنا بالمرة، حيث من وجهة نظري، لا نعطي أية قيمة لمادة الجبس و نستخدمها بشكل سيئ.”

وكلاوديو الذي اتاحت له سفارة المملكة المغربية فرصة السفر الى المغرب اواسط شهر غشت الحالي بهدف تقوية تكوينه في حرفة النقش على الجبس في كل من الرباط و فاس، يقول عن عشقه لهذا الفن، إنه أحبه ويتوق دائما إلى استعماله بشكل سليم تماما كما يستعمله الحرفيون المغاربة، ولذلك “كنت أرغب في ان تتاح لي فرصة لتقويتي في تعلم المزيد من هذا الفن لكي أصبح في يوم ما نقاشا كبيرا وحتى أستمر في الحفاظ على هذا التراث المعماري الذي تركه الحرفيون المغاربة هنا بمدينة كوكيمبو، وفكرتي، في الحقيقة، هي أن أكرس عملي على هذا النوع من فنون المعمار المغربي الذي لا يوجد في الشيلي من يستطيع أن ينجزه، وأحب أكثر، إذا شاء الله، تأسيس مقاولة عائلية صغيرة و أنقل إلى أبنائي ما تعلمته في هذا المضمار على أساس الحفاظ على هذا التراث و تطويره في بلدي وبذلك أشعر أني قمت برد الجميل لأصدقائي المغاربة الحرفيين الكبار والذين أشكرهم جزيل الشكر، وبالمناسبة، أتذكر مهنيتهم العالية وبساطتهم و نبلهم كأشخاص كانوا باستمرار على استعداد لتبادل التحية و المشاركة و العطاء على مستوى الصداقة و التعاطف بغض النظر عن اللون او الوضع الاجتماعي او الاختلاف الديني، وفي الحقيقة لم يسبق لي ان رأيتهم في حالة شنئان أو حزن، بل كانوا دائما أصدقاء كبار، و ما كان يشدني بقوة لأعمالهم المعمارية الرائعة هو الإستعمال الجيد للفضاءات، و التوزيع على مستوى الألوان في كل انواع الزخرفة و المزج الهائل في مكان واحد لمادة الجبس المخدومة بإتقان مع الخشب المنقوش باليد إلى جانب الفسيفساء”.

كلاوديو البالغ من العمر 35 سنة، دائم الحضور في كل أعمال مركز محمد السادس لحوار الحضارات و هو، فضلا عن كونه مكلف بصيانة المسجد و دليل سياحي، ينظم كل فصل صيف أوراشا لتعليم الشيليين و الشيليات صناعة النقش على الجبس،كما يعمل في معارض الكتب الدولية و الوطنية بالشيلي التي يشارك فيها المركز، ولم يصدق نفسه كيف انه جاء للعمل في ورش بناء المسجد عام 2004 حيث كان يشتغل كمياوم مع شركة “كونسيل” للبناء ليصبح عاملا في المسجد وفي مركز محمد السادس وحرفيا على الطريقة المغربية ما يجعله يشعر بتوازن روحي دائم يحفزه على اكتساب المزيد من المعرفة فيما تعلمه على يد الحرفيين المغاربة، وهو مدين كثيرا للسفير المغربي السيد عبد القادر الشاوي على جميله و مساعدته له للسفر إلى المغرب بهدف تقوية معارفه و تكوينه في العمل الحرفي، و شاءت له الظروف أن يزور فاس قريبا ليتعلم المزيد من فن النقش على الجبس على يد أحد أصدقائه الحرفيين الذين تعلم منهم سابقا في الشيلي، و لذلك يعبر عن شعوره بسعادة استثنائية.

من المعارف الذي اكتسبها وهي تعينه على تقديم خدمات جليلة لزوار المسجد، بالإضافة الى معرفة فنون المعمار، المعرفة الخاصة بالدين الإسلامي و بممارسة أركانه الخمسة، حيث أثناء تقديم شروحاته عن معمار معلمة المسجد وعن وظيفته الدينية عند المسلمين، يجيب الزوار عن اسئلتهم المتعلقة بالثقافة الاسلامية و عن أركان الدين الاسلامي الخمسة شارحا كل ركن بطريقة دقيقة وسليمة يعود الفضل في تعلمها إلى المدير السابق السيد احمد آيت بلعيد الذي تعلم منه الكثير من الثقافة الدينية الاسلامية والتي فتحت له المجال في أن يعمل كدليل سياحي داخل المسجد.

 

Comments are closed.