المغرب: القصر يستولي على سلطات رئاسة الحكومة

 

المغرب: القصر يستولي على سلطات رئاسة الحكومة

القصر ينتصر على حكومة الإسلاميين في المغرب ويجعلها مجرد أداة لتنفيذ توجهاته. رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران يعلن أنه لن يحارب الفساد وعفا الله عما سلف بل ويقدم اعتذارا للملك بسبب ما نشرته إحدى الصحف المغربية عن إمكانية خلاف بينه وبن العاهل المغربي.

– رغم أن الدستور الجديد الذي صوت له المغاربة مؤخرا، بعد الاحتجاجات الواسعة التي اكتسحت الشارع مطالبة بالإصلاح يمنح رئيس الحكومة صلاحيات واسعة، إلا أن الملك محمد السادس يظل هو الذي يسود ويحكم على أرض الواقع. نشرات الأخبار في التلفزيون المغربي الرسمي تظهر العاهل المغربي وهو يقوم بتدشين المشاريع في الرباط والدار البيضاء وتطوان، مما يجعل مؤسسة رئاسة الحكومة، التي من المفترض أن يتقاسم معها سلطاته التنفيذية، وكأنها قوقعة فارغة كل ما يتردد فيها هو صدى وانعكاس لأفعال وأقوال محمد السادس.

استحواذ الملك ومحيطه على السلطة وضعف حكومة عبد الإله بنكيران ساهما في وضع نهاية لمشروع الإصلاح الذي انطلق مع مظاهرات شباب 20 فبراير في الشارع، وتسببا أيضا في أزمة أصبحت تطرق أبواب المملكة بقوة. أزمة تتجسد في غياب مشروع واضح لتحقيق تقدم ملموس في مجموعة من المجالات الحيوية وعلى رأسها الاقتصاد والإعلام والعدالة الاجتماعية.

إفلاس الاقتصاد المغربي

المغرب يعيش أزمة حقيقة هذه الأيام على جميع الواجهات وخاصة في المجال الاقتصادي، وهذا ما تكشف عنه الأرقام والمعطيات. التقرير الذي قدمه وزير الاقتصاد والمالية نزار بركة أمام البرلمان حول وضعية الاقتصاد المغربي، خلال النصف الأول من 2012، مليء بأرقام صادمة في معظم القطاعات، التي كان المغرب يعول عليها للصمود في وجه الأزمات الخارجية. قطاعات الفلاحة، والسياحة، والصناعة والتجارة الخارجية، كلها شهدت خسائر فادحة، فالفلاحة، حسب التقرير، تراجع إنتاجها الخام بنسبة 5.5 في المائة، والسياحة تراجع وافدوها الأجانب ب 6 في المائة، والتجارة الخارجية سجل ميزانها عجزاً بقيمة 99 مليار درهم (أي أكثر من 9 ملايير يورو). كل هذه الخسائر تأتي في ظل وضع ضعف فيه الشركاء الشماليين للملكة في الاتحاد الأوربي بسبب الأزمة التي تعيشها بعض الدول الأعضاء في الاتحاد، وأيضا بسبب عدم التفاهم الحاصل بين الرباط وباريس، الشريك السياسي والاقتصادي الرئيسي للمغرب، بصعود الاشتراكيين الفرنسيين إلى قصر “الإليزيه” ممثلين بالرئيس فرنسوا هولاند الذي لا يخفي تحفظه الدائم من سياسة الرباط في ملفات عديدة وعلى رأسها ملف الصحراء الغربية وحقوق الإنسان وحرية التعبير.

بنكيران يفشل في محاربة الريع

الوضع القاتم للاقتصاد المغربي يأتي في سياق تعاظم فيه سخط الشارع من وعود حكومة بنكيران الإسلامية التي لم تتحقق وبقيت مجرد وعود انتخابية استطاعت أن تجعل من حزب “العدالة والتنمية” الحزب الحاكم في المغرب. فشل حكومة بنكيران يظهر أساسا في عدم تحقيق أي نتائج تذكر في ملف العدالة الاجتماعية وتنمية الدخل لدى الفئات المغربية الواسعة التي تعيش تحت عتبة الفقر، أي بدخل يقل عن دولار واحد في اليوم. بمجرد صعودهم إلى الحكم، تعهد الإسلاميون بتبني سياسة متشددة بخصوص محاربة الفساد المستشري في الاقتصاد المغربي وخاصة ما يعرف بالرخص التي تمنحها السلطة للمقربين منها. رخص تهم استغلال جميع الخيرات في البلاد بما فيها الصيد في أعالي البحار واستخراج الرمال والمعادن النفيسة وحتى النقل بين المدن وداخلها أيضا.

هذه الرخص تمنحها الدولة في المغرب لمن يخدمونها بإخلاص كمكافأة ودون أن تخضع لشروط الاستحقاق التي من شروطها الشفافية والعلن. وزير التجهيز والنقل في حكومة الإسلاميين عبد العزيز الرباح كان قد وعد خلال الأيام الأولى من توليه الوزارة بأن يكشف عن جميع المستفيدين من تلك الرخص من دون وجه حق وأن يعيد الأمور إلى نصابها، وحينما حقق وعهده، اكتشف المغاربة أنها مجرد خدعة، فالوزير الإسلامي كشف فقط عن صغار المستفيدين أما لائحة الرؤوس الكبيرة التي تضم أسماء جينيرالات في الجيش ووزراء سابقين ورجال سلطة متنفذين، فقد بقيت قيد السرية، بل ووصل الأمر بالوزير إلى القول بأن الوقت لم يحن بعد للكشف عن تلك الأمور.

التلفزيون الملكي

ملف آخر حيوي جدا عرف فشل الإسلاميون فشلا ذريعا في تدبيره هو ملف الإعلام العمومي، أي مؤسسة التلفزيون ووكالة الأنباء الرسمية التي تعرف بـ”وكالة المغرب العربي للأنباء”. وزير الاتصال الشاب مصطفى الخلفي جاء إلى البناية الزجاجية للوزارة وكله آمال ووعود. الوزير باعتباره صحفي سابق كان يظن أن النية المخلصة وحدها كافية لتحقيق الإصلاح، ونسي أن الطريق إلى الجحيم مفروش بالنيات الحسنة. مصطفى الخلفي أعد برنامجا طموحا لإصلاح الإعلام العمومي الذي تحول إلى بوق للدعاية مختص فقط بالترويج للأنشطة الملكية، وطرحه للتصويت في البرلمان ليفتح عليه أبواب جهنم. مدراء القنوات التلفزيونية الرسمية الذين يعينهم القصر مباشرة من دون الرجوع لا إلى رئيس الحكومة ولا إلى الوزير المشرف على القطاع، شنوا حربا إعلامية ونقابية شرسة على الوزير الإسلامي مما جعل الملك يتدخل ليعين لجنة وزارية مكلفة بحل الملف أي بالحفاظ على الوضع كما هو عليه فزمن الإصلاح الحقيقي لم يحن بعد.

الشارع هادئ…إلى حين؟

الوقفة التي دعت إليها “20 فبراير” يوم السبت 12 غشت/آب، أظهرت ضعفا كبيرا في حركة الشباب المغربي بسبب عدم وضوح رؤيتها وأهدافها منذ البداية، ومع ضعفها خفتت أصوات الاحتجاج في الشارع المغربي. هذا الوضع يشبهه المراقبون بالهدوء الذي يسبق العاصفة، فالوضع الاجتماعي لفئات واسعة من المغاربة يتسم بالهشاشة والبؤس. معدلات البطالة وسط الشباب مرتفعة خاصة لدى حاملي الشهادات الذين يحتلون الشارع الرئيسي للعاصمة المغربية كل يوم مطالبين بحقهم في الشغل. الجفاف النسبي الذي شهدته المملكة تسبب هو الآخر في إفقار الفلاحين ومعهم خزينة الدولة التي اضطرت إلى استيراد كميات إضافية من القمح من أجل ضمان خبز المغاربة اليومي حتى لا تتحول مطالب الإصلاح السياسي إلى ثورة للجياع.

الأزمة الاقتصادية التي يعيشها شركاء المغرب الاقتصاديون وخاصة الولايات المتحدة وأوربا جعلت الاستثمارات والسياحة في وضع سيء مما آثر سلبا على سوق الشغل مما أدى إلى ضياع أكثر من 120 ألف منصب عمل هذه السنة. أمام هذا الوضع الهش يتذرع الإسلاميون بأن تماسيح السلطة في المغرب، أي رجالات المحيط الملكي، يحاربونهم ويفشلون مخططاتهم، وهؤلاء يردون بأن مشاريع الإسلاميين كانت فارغة في الأصل، إلا أن هؤلاء وأولئك ينسون درسا أساسيا في علم التاريخ: ليس في كل مرة تسلم الجرة.

 

 

Comments are closed.