الحبابي: جثة بن بركة مدفونة تحت السفارة المغربية بفرنسا

 

الحبابي: جثة بن بركة مدفونة تحت السفارة المغربية بفرنسا

محمد الحبابي يتحدث عن جثة بن بركة ويكشف أسرار العلاقة بين الاتحاد والجيش

أكد محمد الحبابي القيادي الاتحادي سابقا في تصريح لـ “المشعل” ، أن علال الفاسي هو من اقترح إنشاء الكتلة الوطنية في بداية السبعينيات، وتحدث لـ “المشعل” عن علاقته بالتازي رجل أعمال الجنرال الدليمي، وكيف كان يوصل المعلومات التي تصله حول الجيش إلى عبد الرحيم بوعبيد الذي ظل مؤمنا بالنضال السياسي في ظل الشرعية وهو ما أدى به إلى القطيعة مع الفقيه البصري، ويستعيد محمد الحبابي شريط الذكريات حول ما حدث في 20 يونيو81 حين عارض بوعبيد قرار الحسن الثاني بقبول الاستفتاء الذي اعتبره خيانة، ويقلب أسراراً قد تساعد على ملء الكثير من البياضات في مسار حزب القوات الشعبية وتاريخ المغرب المعاصر. ونظرا للقيمة السياسية للاستجواب نعيد نشره هنا.

يحكي العارفون أنك كنت الوسيط الأساسي بين الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وحزب الاستقلال لإنشاء الكتلة الوطنية في بداية السبعينيات، ما هو السياق الذي صاحب هذه الولادة لحزبين لذوذين؟

كان علال الفاسي أستاذا بكلية الحقوق، وكنتُ أستاذا بنفس الكلية، قال لي على هامش اجتماع مع عميد الكلية إنه يريد أن يراني، فالتقينا بعد خروجنا من الاجتماع.. كنت حينها أسكن أمام كلية الحقوق فجاء إلى منزلي، وكان عرض الراحل علال واضحاً: “نحن وطنيون.. وقع ما وقع بعد الانشقاق، ونحتاج اليوم إلى لمِّ الصفوف لإنقاذ البلاد من الأزمة” تناقشنا في عدة أمور لم نكن متفقين حولها، وكنا نريد أن ننهي الانشقاق الذي كان بيننا لا سيما بعد اختطاف المهدي بن بركة، فاقترح علي الأستاذ علال الفاسي إعادة لم الشمل.. بطبيعة الحال لم أرد عليه بأي شيء حيث بعد الاجتماع توجهت مباشرة إلى منزل عبد الرحيم بوعبيد، قضينا المساء كله نتناقش حول لقائي بعلال الفاسي، وقلت له بأنني متفق مع اقتراح السي علال، لأن مشاكلنا مع الجناح النقابي حينها في 1970 كانت وصلت إلى حدود لا تطاق.. وكذلك مع مولاي عبد الله الذي كان يهمه أمر واحد.. أن يكون وزيرا أول وكان يحسد عبد الرحيم، أما المحجوب بن الصديق فكان بذكائه يعرف هذا الأمر جيدا ويلعب على هذا الحبل… وقتها كلف المحجوب بن الصديق صديقه ونائبه محمد بن عبد الرزاق بالاتصال بالديوان الملكي بهذا الخصوص حتى يأخذ أي تغيير حكومي محتمل بعين الاعتبار.. عبد الرحيم كان يعي هذه الأمور لذلك قلنا لمولاي عبد الله إننا ننوي إقامة الكتلة الوطنية للرجوع للحكم الذي كان عندنا سنة 1960. وقال لي عبد الرحيم إننا استقطبنا مولاي عبد الله والمحجوب بن الصديق بهذه الطريقة الذكية.

كانت الكتلة الوطنية تتكون من 8 أعضاء: أنا وبوعبيد وبن الصديق وعبد الله إبراهيم عن الاتحاد الوطني وعلال الفاسي وبوستة وبوبكر القادري والدويري عن حزب الاستقلال، لقد كان علال الفاسي وبوبكر القادري خاصة مناصرين لقيام الكتلة الوطنية التي يريدها سي علال زواجاً كاثوليكيا، بل إنه كان يذهب إلى أبعد الحدود، وما كان يهمه هو وحدة الحركة الوطنية، بل كان يصرح لنا: “الأساس هو أن نتحد “وللي بغيتيوه نعطيوه ليكم”، رئاسة الحزب الجديد، رئاسة الحكومة”.. وكنت وبوعبيد من جهتنا ندعم الوحدة، أما بن الصديق ومولاي عبد الله فهما مع الكتلة فقط إذا كانت ستوصلهما إلى الفوز برئاسة الحكومة.

من كان يتفاوض مع القصر في هذا الباب؟

كلفني الإخوان بالاتصال بالقصر عبر المستشار الملكي إدريس السلاوي، للتمهيد للنقاش حول الحكومة، لكن الذي أوقف كل شيء هو الانقلابان المتتاليان، بالإضافة إلى إخلال مولاي عبد الله وبن الصديق بشروط الكتلة.

كيف تم ذلك؟

كان علال الفاسي قد قدم للملك اقتراحين، الأول أن نشكل ككتلة وطنية حكومة من التقنيين ومن السياسيين الشباب منا وأن يُترك للحسن الثاني أمر تعيين الوزير الأول من عنده بالإضافة إلى وزراء العدل والداخلية خاصة، وكان الوزير الأول المطروح هو كريم العمراني، الذي يمكن قبوله من طرف الكتلة، والثاني أننا نحن سنقترح الوزير الأول منا وسنقترح على الملك تشكيلة الحكومة.. فسألنا الملك، في حالة قبوله للاقتراح الثاني: “ما هو البرنامج الذي ستطبقونه؟” فقلنا إن برنامجنا هو برنامج الكتلة الوطنية.. بعد أسبوع رد علينا الحسن الثاني بأنه يقبل الاقتراح القاضي بتشكيلنا للحكومة مقابل تعيين الملك للوزراء.

معناه أن بوعبيد وعلال الفاسي كان سيقبلان التعايش مع أوفقير في وزارة الداخلية؟

الحق يقال، كنا سنغمص العين على الأمر لإنقاذ البلاد، لكن كان الحسن الثاني قد اتفق سراً مع مولاي عبد الله إبراهيم ليكون هو الوزير الأول، ولا زلت أتذكر كيف تم تكليف مسؤولين هما الدليمي والبصري لإقناع باقي قيادة الاتحاد الوطني بقبول مولاي عبد الله وزيرا أول من خلال اللقاء بي.

تم هذا باقتراح الحسن الثاني؟

نعم أرسلهما الحسن الثاني وقضيا الليلة كله عندي في هذا المنزل لإقناعي بالأمر.

في أي سنة؟

بعد الانقلاب، بدأ الحسن الثاني في التحرك نحو المعارضة. وقد شرب الدليمي قنينتي ويسكي لوحده، أما البصري فلم يُتم كأساً واحدة وظل يطرح علي أسئلة بوليسية، فطلبت أن أتصل بعبد الرحيم بوعبيد لأستشير معه.. علال الفاسي كان يريد أن يكون بوعبيد وزيرا أول لأنه حتى في حكومة 1960 كان مولاي عبد الله كرئيس للحكومة دائم السفر، وكان عبد الرحيم بوعبيد ينوب عنه في كل شيء، ولم يكن عبد الله إبراهيم يقوم بأي شيء إلا في قضية واحدة وقعت حينها في “عين بيضا”.

كنا نحن مع علال الفاسي وقررنا أن يذهب الثلاثة إلى الملك: علال الفاسي، مولاي عبد الله، وعبد الرحيم بوعبيد ويقترحوا على الملك أن يكون واحد منهم وزيرا أول. قبل ذلك نبا إلى علمنا أن الحسن الثاني استفتى مستشاراً أمريكيا كبيراً كان يشتغل بجانبه، عندما دخلوا عند الملك الراحل، قال مولاي عبد الله للمغفور له الحسن الثاني: “صاحب الجلالة، إننا سنترك لك ثلاثة وزراء، هي الداخلية والعدل والبريد”. فكان رد الحسن الثاني بنرفزة: “أنا فهاذ البلاد ما كنسوا غير ثلاثة الوزراء؟”. فأخذ عبد الرحيم بوعبيد الكلمة وشرح للملك بأنهم جاءوا عنده للاتفاق على الوزير الأول وأراد تطييب الخواطر وتعديل الأجواء، فقال لهم الملك الراحل ستتركون لي فرصة للتفكير في الاقتراح الأول، رجع الثلاثة من عند الملك فوجدونا في انتظارهم .

المحجوب بن الصديق علق على غضبة الحسن الثاني قائلا: “il a fait tilte”، أي أن الملك الراحل أصيب بالعطب، انصرف مولاي عبد الله من الاجتماع حين تأكد أنه لن يكون الوزير الأول، بعدها اتصل بنا كريم العمراني لعرض مقترحه، لكن عبد الله إبراهيم رفض.

أرسلنا علال الفاسي وأبو بكر القادري وعبد الرحيم، أنا لم أذهب، وقيل لي إن الملك غيَّر حينها من طريقة كلامه، ولم تبق هناك إمكانية الحصول على الوزارة الأولى لأي ممن رشحناهم، وبالتالي لم يبق وجود للكتلة. ولم تعد هناك أي اجتماعات مع القصر لأن الملك حسم الأمر.

بخصوص إضراب 20 يونيو عندما قبل الملك الاستفتاء، وبحكم أنك كنت ترافقه كثيرا، كيف كان عبد الرحيم بوعبيد في تلك المرحلة؟

كان لنا منطق حينها، أيدنا اتفاقية إسبانيا مع المغرب عام 1975. ذهبت مع بوعبيد وعبد الرحمن اليوسفي إلى بلدان كثيرة منها موسكو للدفاع عن قضية الصحراء، أخرجنا بلاغا نقول فيه إن الصحراء أرض مغربية، ويجب استرجاعها بدون استفتاء، كما تم استرجاع الأراضي الأخرى في الشمال والتي كانت تحت النفوذ الفرنسي والإسباني، واعتبرنا الاستفتاء خيانة. وأصدرنا بلاغاً في الموضوع، الحسن الثاني غضب وهاجمتنا “لوماتان” واعتبرتنا خونة ويجب أن نحكم بالمؤبد.

تم اعتقال قيادة الاتحاد الاشتراكي، وكان أول من اعتقل هو عبد الرحيم بوعبيد واليازغي لأنه كان عنده في بيته، أنا لم أكن موجودا معهما، وكانوا يبحثون عني لاعتقالي أنا أيضا، ولأنني كنت أتوجه إلى إفران، فقد ذهبوا إليها للبحث عني. ذهبوا أيضا إلى الدار البيضاء للبحث عني في منازل أخواتي لأني كنت أزورهن هناك أيضا. بعد ذلك توجهوا إلى البيت الذي أقطن فيه حاليا لاعتقالي وكنت موجودا فيه رفقة زوجتي.

عندما فتحت لهم زوجتي فطنَتْ للأمر فقالت لهم: “تبحثون عن زوجي؟ إنه في الدار البيضاء ولم يعد بعد إلى البيت”. صدقوها وذهبوا، ثم توجهت إلي لتأمرني أن أرتدي ملابسي وأهرب.

بعد ساعتين عادوا إلى البيت، وفتشوه فلم يجدوني لأنني كنت مختبئا في منزل بالرباط، إلى أن أرسل عبد الرحيم بوعبيد، عبر وسيط، في طلبي لكي آتي وأقدم نفسي للمحكمة، حينها اتصلت بفتح الله ولعلو ليرسل لي زوجتي بالسيارة وتم اصطحابي من المكان الذي كنت أختبئ فيه إلى المحكمة. تم أخذوني من المحكمة إلى سجن لعلو، كان هناك عبد الرحيم بوعبيد، اليازغي، محمد منصور، الحبيب الفرقاني ومصطفى القرشاوي… كنا نحن المعتقلين حينها وكان هناك آخرون لم يتم اعتقالهم بعد.

بالأمس كان الملك يفتح قنوات مع النخب السياسية عبرك وعبر الدويري فيما بعد عبر لحليمي، كرجالات دولة، اليوم كيف غاب هذا الأمر؟

كان الحليمي يأتي عندي ويخبرني بأمور مهمة كنت أوصلها إلى بوعبيد. لقد كان الحليمي ذكيا جديا، واختاره اليوسفي ليكون وزيرا للشؤون العامة في حكومته لأنه كان يدرك مقدار ذكائه. لقد كان يضاهي الحسن الثاني وعبد الرحيم بوعبيد في الذكاء، هؤلاء كانوا أذكياء بشكل لا يتصور.

ما هي القنوات الأخرى التي كان الحسن الثاني يفتحها بشكل غير رسمي مع الأحزاب الوطنية؟

الشرقاوي، كاتب الدولة في الخارجية. وكان شبه رسمي، ظل يربط الاتصال بيننا لسنوات. بعدها عندما كان بوعبيد يريد أن يوصل للملك أمرا مهما دون زيادة أو نقصان في محتواه كان عبد الواحد الراضي يقوم بهذا الدور مع القصر، الحسن الثاني أيضا كان يرسله في الأمور المهمة، كان ينقل الرسالة دون أن يعلق عليها ولم ينقل يوما أمرا مغلوطا، ولم يخن ثقة بوعبيد ولا الحسن.

كيف كان بوعبيد يرى الحسن الثاني؟

عبد الرحيم بوعبيد كان يقدّر قوة شخصية الحسن الثاني وتعطشه للحكم، ويدرك أنه ذكي إلى أبعد الحدود. كان يعي أن الحسن الثاني عندما يلتقي بك وتمر ربع ساعة دون أن تنطق بكلمة فإنه يعرف فيم تفكر، بكل صراحة، لقد كان ذكيا جدا.

بوعبيد كان يفاتح الحسن الثاني ويصارحه بأفكاره، لم يطلب منه يوما أي مساعدة سياسية أو مادية، مثلا عندما كنا نتناقش مع البنك الدولي على التقويم الهيكلي، كان الحسن الثاني يريد إشراكنا في الحكومة وطلب من بوعبيد أن يفكر في المسألة، كان هذا في 1983 و1984. اجتمعت أنا وعبد الرحيم بوعبيد ومولاي المهدي العلوي، وقلت إنه إذا كان الأمر مؤقتا وإذا كانت ميزانية المالية والمفاوضات في أيدينا نحن، فإنه يمكننا أن نغير الأمور ونحد من نزيف المالية، قال لي عبد الرحيم: “أبوبي، اكتب لي ورقة في الموضوع، بكافة المقترحات التي تراها مناسبة”، في الغد اجتمعنا وأريته النقط التي سجلتها، فنظر إلي بوعبيد قائلا:

“ْمْ، بغيتي تكون وزير وضحك”، وقال لي: “أنت غاتلعب الحسن الثاني! “انتينا غاتقد على شياطين الدولة، ويخليوك تدير للي بغيتي”، وختم قائلا: “لا، لن نشارك في الحكومة، ما قادين على زيادة في السكر والطحين…. وكان على حق”.

كانت لكم علاقة وطيدة بالجنرال أحمد الدليمي عبر رجل أعماله عبد الحق التازي، كيف كنتم تستعملون التازي ومعلوماته والرسائل التي توصلونها عبره؟

لم تكن لي علاقة مباشرة مع الجنرال أحمد الدليمي، نعم كانت لي علاقة حميمية مع أحد رجالاته وهو عبد الحق التازي الذي كان يحكي لي بعض الأسرار، ما كان منها مُهمًّا كنت أنقله في الحين إلى الراحل عبد الرحيم بوعبيد، كان التازي هو الذي يدير أعمال وشركات الدليمي وكان جد مقرب منه، وكلما حكى لي ما ثمَّنْت أن يكون معلومات قيمة للحزب كنت أفاتح فيه بوعبيد.

معلومات قيمة مثل ماذا؟

أخبرني التازي أن الحسن الثاني كان يعطيه الجنرال المذبوح أظرفة (des enveloppes) بها مبالغ مالية ضخمة، لكن المذبوح كان يتميز بأنفته، فلم يكن يفتح هذه الأظرفة، كانت له خزينة خاصة في بيته يأتي بهذه الأظرفة ويرمي بها في خزينته دون فتحها، وحين قُتل وجدت هذه الأظرفة كما هي، ملايين الملايين لم تمس.. مما يدل على أن الرجل كان غاضبا من الرشوة ومن الفساد، والمسألة الثانية مرتبطة بما سبق أن كتبته حول مكان وجود جثة المهدي بن بركة، حيث التمس الجنرال القادري رئيس “لادجيد” من التازي الذي كان يعرف أنه صديق حميم لي، الاتصال بي لمعرفة تفاصيل المعلومات التي نشرتها وكيف حصلت عليها، وهذا وحده كان بالنسبة لي دليلا على صدق ما كتبت.

ألم يكن التازي أيضا مرسول حب، عبره تبلغون أنت أو الراحل بوعبيد رسائل ما؟

عبد الرحيم بوعبيد كانت له حساسية مفرطة تجاه الجيش، وكان دائما يبتعد عن أي تنسيق في الموضوع، وسأعطيك مثالا، لقد كنت أشتغل كأستاذ قبل انقلاب الصخيرات، كنت أعطي دروسا في القيادة العليا للقوات المسلحة الملكية بالمهدية حول مادة الاقتصاد، حصة كل أسبوع، إن الكثيرين ممن قادوا الانقلاب كالشلواطي مثلا كانوا من طلبتي، وكان عبد الرحيم بوعبيد ينصحني دوماً بالاحتراس من التعامل مع الجيش، وكان يقول لي بنرفزة أحيانا:

Bouby. Attention, aucun contact direct avec les militaires! –

وكان آيت قدور مهندساً في ميناء المهدية وله علاقات قوية بالمذبوح وأمقران ولكويرة، كان دائما يستدعيني للعشاء، لكن بوعبيد ظل يرفض حضوري خوفاً من أي تورط مع الجيش، كان له حدس خارق وينبهني دوما قائلا: “مع الجيش لا تعرف ما يمكن أن يحدث، كن حذراً”.

وحتى حين كان يطلب مني أي مسؤول داخل القاعدة العسكرية أي معلومة أو استفسار على هامش الدروس التي أقدمها، كان عبد الرحيم بوعبيد يقول لي، تراسل مع إدارة الجيش بشكل مكتوب وعبر السلم الإداري”.

وبالفعل كان المذبوح قد راسلني حول أمر من أمور الدروس التي أقدمها، والمرة الثانية كان أوفقير قد راسلني عما إذا كنت أنوي الاستمرار في تقديم دروسي بالقيادة العليا للجيش فأجبت بالموافقة في ظل الشروط السابقة… كل ذلك تم بشكل مكتوب ورسمي.

ألم تشك يوماً أن المعلومات المهمة التي كان يقدمها لك التازي كانت بإيعاز من الجنرال الدليمي وبتوجيه منه؟

بالنسبة لنا في الاتحاد الاشتراكي، لم يكن الأمر يتعلق بتنسيق وإنما بصداقة شخصية كانت تدفع عبد الحق التازي رجل أعمال الدليمي ليمدني بمعلومات هامة.

مثلا قبل مقتل الدليمي، زرت التازي في منزله، فحكى لي أمراً خطيراً، قال لي لقد غادرني الدليمي بعض ساعات قبل وصولك وأنه كان في حالة غير عادية، لقد زار الملك في قصر الصخيرات وخرج غاضبا مما رآه بالقصر الملكي..

وأين الأمر الخطير؟

(يضحك) لقد قلته للراحل بوعبيد وحده، ولن ينفع قراءكم اليوم إذاعته بينهم، فمجالس الرجال أسرار.. الأساسي في الأمر أننا كنا في قيادة الاتحاد دوماً نفضل الفعل السياسي الواضح، ولكن كنا نستفيد من أي معلومة تقع بين أيدينا.

من مثل المعلومات التي وقعت بين أيديكم، حول الانقلابيين في 1971 و1972؟

لم نكن مطلعين على تفاصيل انقلاب 1971، لكن لا أكتمك سراً أننا كنا ننتظر وقوع شيء ما من الخطورة بمكان، كان الجنرال المذبوح قد عاد من الولايات المتحدة الأمريكية واطلع على أسرار كثيرة، منها وزراء لعبوا في المال العام وفي بعض العقارات وقضايا كبرى للفساد، ومما حكي لي أن المذبوح مرة دخل إلى الغولف الملكي بالرباط فوجد الحسن الثاني صحبة مومن الطاهري الذي كان وزيراً للمالية وشملته حملة اعتقال الوزراء، فحمل المذبوح غصن شجرة بيديه وكسره بنرفزة وهو يُدمدم ساخطا.

ومن أخبرك بهذا وأنت لم تكن تقصد الغولف الملكي؟

“أخي حسن الحبابي طبيب بالبيضاء كان واخذ فريدة بنت العلمي، التي كانت لها علاقة مصاهرة مع المارشان أمزيان الذي كان مصاهر مع المذبوح، والمصدر الثاني هو المستشار الملكي إدريس السلاوي الذي أخبرني يوماً أنه التقى بعض الجنرالات ضمنهم الشلواطي الذي تكلم معه بعجرفة وقال له كلاماً غير لائق عن الملك، وتوجه المرحوم السلاوي لإخبار الملك الراحل على اعتبار أن الأمر جد خطير، وهو ما حكيته لعبد الرحيم بوعبيد.. هذا كل ما في الأمر، بعدها مباشرة وقع انقلاب يوليوز 1971.

كيف توصلت إلى أن جثة بن بركة مدفونة مكان السفارة المغربية بفرنسا؟

بعض الأمور مرتبطة بمعلومات أثق في مصدرها، وبعضها يمكن ألا تصدقه، وهو يدخل في اللامرئي والروحي؟

كيف؟

في 2002 صدر كتاب للدكتور الفرنسي كليري، يقول إن أوفقير أتى برأس بن بركة في سلة خاصة إلى المغرب وقدم الرأس للحسن الثاني بحضور شاهدين، إدريس السلاوي وسي محمد الشرقاوي الذي حينما رأى ذلك المنظر أغمي عليه، وعندما أيقظوه قال له الحسن الثاني:

– ooh! Vous avez le cœur bien faible!

من حكى لك هذا الأمر، أنت قبل 2002 وقبل ظهور الكتاب الفرنسي؟

محمد الشرقاوي نفسه وهو لا زال حياً، وقد جاء عندي الصحافي إنياس دال لما علم بما قلته وطلب مني عنوان السي الشرقاوي.

إذا كان رأس بن بركة كما قلت دفن بالنقطة الثابتة (PF3)، فأين الجثة؟

إنها تحت السفارة المغربية بفرنسا.. وقد سألت إدريس السلاوي عن الأمر، ورغم أنه لم يكشف لي كل ما يعرفه، لكني استنتجت من كلامه أنه كان شاهداً حتى على دفن الرأس في (PF3).

تذكر دائما إدريس السلاوي كمحطة للسر، مع العلم أنه في نهاية المطاف يظل مستشار الراحل الحسن الثاني، وأي معلومة في هذا الاتجاه قد تكون موجهة للتشويش؟

يجب أن تعرف أن إدريس السلاوي أخي من الرضاعة، وقد قال لي في موضوع المهدي بن بركة بصريح العبارة: – Bouby c’est un assasinort sans cadavre

كيف تخلى عبد الرحيم بوعبيد عن الفقيه البصري؟

في بداية السبعينيات، أو قبلها بقليل بدأ عبد الرحيم بوعبيد يستوعب استحالة هزم نظام الحسن الثاني عبر خيار حمل السلاح، لقد كان يتصرف كرجل دولة وكسياسي يؤمن بالشرعية، وهو ما لم يكن يؤمن به الفقيه البصري الذي كان دوماً مندفعاً وحالما بالاختيار الثوري، ولأنه كان خارج المغرب، كان بعيداً عن فهم التحولات الداخلية، ويجب أن تعرف أنه بعد أحداث دار بوعزة في 3 مارس 1973 تم استنطاقي وعبد الرحيم بوعبيد، وقلت شهادة استثنائية في حق الفقيه البصري، لكونه رجلا نزيها، ومقاوماً شريفا دون أن أخشى أن يتم توريطي في الهجمات المسلحة التي وقعت في الأطلس.

 

Comments are closed.