التوفيق: عيد العرش تجديد للبيعة والعهد الشامل بالمَلِك

 

التوفيق: عيد العرش تجديد للبيعة والعهد الشامل بالمَلِك

يكتسي الاحتفال بعيد العرش في المغرب دلالات دينية كبيرة يستعرضها أحمد التوفيق٬ وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية٬ في هذا الحديث الذي أجرته معه وكالة المغرب العربي للأنباء٬ بمناسبة الذكرى الثالثة عشرة لتولي الملك محمد السادس مقاليد الحكم في المغرب.

ماذا يمثل عيد العرش بالنسبة للشعب المغربي؟ وما هي رمزيته في تاريخ المغرب وفي العلاقات التي تربط العرش بالشعب؟

لا يعتبر عيد العرش عيدا وطنيا فقط بالمعنى الحديث. فهو عيد لتجديد البيعة والعهد الشامل بجلالة الملك. فإمارة المؤمنين هي خلافة عن الرسول صلى الله عليه وسلم٬ ولها بعد روحي كبير.

ولعل خروج صاحب الجلالة في عيد العرش لتلقي بيعة الأعيان الذين يمثلون الأمة٬ وهم الآن المنتخبون٬ وهو ممتط صهوة فرسه وفوق رأسه مظلة تشبه الشجرة التي وقعت تحتها المبايعة للرسول صلى الله عليه وسلم في البداية٬ المذكورة في قوله تعالى “لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة”. فهذه البيعة السياسية هي بيعة كاملة٬ فالله لم يرد أن يدبر الناس الحياة بالسياسة فقط وإنما يريدهم أن يدبروا الحياة بالسياسة التي تنفع في الدنيا وفي الآخرة.

ماذا يمثل في نظركم عقد البيعة في الإسلام؟

عقد البيعة هو عقد روحي وسياسي بين الشعب والملك مبني على شروط البيعة وهي أن يقبل الناس الذين يبايعون الملك والذين يمثلون الأمة ولايته ويعملون وفقها٬ ومن جانبه يتعهد الملك بأن يقوم بما هو مطلوب في الدين ويسمى عادة ب”الكليات الشرعية” وتشمل التدبير السياسي٬ إلا أنها تزيد عن التدبير السياسي العصري المدني بحفظ الدين وحماية حياة وعرض وعقل الناس٬ فالمبايع يحفظ الدين وهو ما يجري الآن بالمملكة كما نص على ذلك الدستور الجديد.

وتشمل اختصاصات أمير المؤمنين٬ التي لا يتدخل فيها غيره٬ تحصين الدين وحماية النفس بمعنى حياة الناس باستتباب الأمن بمعناه الشامل٬ ثم حماية أموال الناس ثم حماية أعراضهم٬ وهو ما نسميه اليوم بكرامة العيش بعيدا عن الفقر الذي يكاد يقترن في الإسلام بالكفر٬ إضافة إلى حماية العقل الذي يكتسي أهمية بالغة٬ لأن نمط عيش الناس ينعكس على حياتهم المعنوية والنفسية.

لذلك فالبيعة المبنية على هذه المقومات هي تصور كامل لم يصل إليه الناس لحد الآن من الناحية المبدئية٬ طبعا من ناحية الاشتغال التاريخي تم تطوير آليات الديمقراطية في عدد من البلدان خارج الإسلام٬ لكن ما يزال المسلمون يحتفظون بهذا النموذج الذي يعطي معنى لحياة الإنسان.

ما هو تقييمكم للمنجزات والتطورات التي حققها المغرب منذ اعتلاء الملك للعرش؟ وما هو تقييمكم للإصلاحات التي باشرها المغرب في الحقل الديني ؟

حقق المغرب إنجازات ومكاسب هامة شملت٬ على الخصوص٬ إصلاح الحقل السياسي من خلال تطوير الآليات الديمقراطية والعمل على توفير موارد العيش للمواطنين والمواطنات بما يسهم في حل المشاكل المادية٬ علاوة على الجهود الحثيثة المبذولة لتحقيق التنمية البشرية من خلال إطلاق مبادرات ومشاريع مدرة للدخل٬ في سعي إلى تحقيق ما أمكن من التوازنات الاجتماعية والنمو الاقتصادي٬ ما جعل المغرب في منأى عن تداعيات الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالعديد من الدول حتى المتقدمة منها.

وقد ساير الحقل الديني هذه المنجزات. إن نتيجة الاشتغال في الحقل الديني هي أنه لم تقع في المغرب عوائق لأنواع التطور والتنمية الأخرى باسم الدين. وتبين النتائج أن عددا من المشاكل والأزمات تحصنت منها المملكة بفضل ما يجري من بناء المساجد وترميمها وتأطير العلماء والأئمة وتحسين أوضاعهم المادية والاجتماعية للقيام بالدور المنوط بهم٬ لاسيما في مجال ضبط الفتوى واعتبار من يتكلمون في الدين أصحاب آراء وليسوا مفتين. إلى جانب اتخاذ مبادرات كفيلة بالاستجابة لحاجيات الناس.

في ظل التحولات العالمية التي خلخلت العديد من المسلمات والقيم٬ ما هي التحديات التي تواجهها القيم الدينية بالمغرب؟

القيم الإسلامية تلتقي مع القيم الكونية في عدة أمور٬ من بينها البيعة التي تكرس احترام حياة الإنسان وكرامته٬ غير أن التحدي الذي يواجه العالم بأسره يكمن في التغيرات الدولية المتسارعة٬ والتي تكاد تفقد الناس توازنهم٬ لذلك فالقيم تمكن من الاستقرار على مرجعية معينة٬ كما أن الرهان الأساسي المطروح يتجلى في إيجاد نوع من التوازن من خلال تسخير التكنولوجيات الحديثة ووسائل الاتصال لتنمية القدرات الذاتية٬ لاسيما ممارسة المسؤولية.

كيف تنظرون للعلاقات التي تجمع بين المغرب والديانات الكبرى في العالم؟

العلاقات القائمة بين المغرب والديانات الكبرى في العالم يطبعها التوازن الذي يحظى بإشادة دولية٬ فالمبادئ التي يتبناها المغرب جعلته دائما في مقدمة البلدان التي ينظر إليها أهل الديانات الأخرى على أنه بلد منفتح٬ وخير دليل على ذلك زيارة البابا السابق للمغرب. كما أن جميع اليهود يذكرون أن المغرب٬ في وقت من الأوقات٬ وقف إلى جانبهم ضد النازية٬ كما أنهم طائفة من طوائف المواطنين في المغرب يتمتعون بكامل الحقوق٬ وينظرون إلى المغرب على أن فيه كنائس للمسيحيين المقيمين أو العابرين٬ لذلك ينظرون في الخارج إلى المغرب على أنه بلد نموذجي في هذه الشأن.

لكن كلما ظهر تطرف من بعض الأديان الأخرى يستنكرها المغرب٬ حيث يدين التطرف الذي يظهر على أيدي بعض المنتمين للإسلام كما يستنكر التطرف الذي يظهر على يد بعض الذين ينتمون للديانات الأخرى.

 

Comments are closed.