المجلات النسائية المغربية.. فضاءات للتوعية أم بوتيكات “ورقية”؟

 

المجلات النسائية المغربية.. فضاءات للتوعية أم بوتيكات “ورقية”؟

تكتظ المجلات النسائية في الأكشاك المغربية، نساء شهيرات أو عارضات يتربعن على عرش أغلفة فاخرة. صفحات كثيرة مخصصة للماكياج والعطوروالأزياء والماركات العالمية. وصفحات أخرى لقصص وتحقيقات عن المرأة ومشاكلها مع الرجل، وصفحات قلائل للفكر والأدب والسياسة. منهم من يراها متنفسا للنساء هروبا من الجرائد والمجلات التي تطغى فيها اهتمامات الرجل وينفرد فيها ببسط نفوذه الذكوري. وآخرون يرونها منبرا لتحريض المرأة على الرجل وتكريس لصورة الأنثى التي لا يتجاوز همها اقتناء علبة ماكياج فاخرة.

فماهي القيمة المضافة التي تقدمها المجلة النسائية للمرأة المغربية؟ وهل تلامس واقعها وهمومها؟ ثم هل الصحافة النسائية هي من توجه اهتمامات المرأة أم أن الذوق العام للمرأة هو الذي يفرض على هذه المجلات انتقاء مواضيعها؟

أسئلة نقلناها لثلة من الكاتبات المغربيات المنهجسات بالهم النسائي واللواتي تباينت آراؤهن ما بين منافحة عن نجاح هذه التجربة النسائية وعاتبة على إخفاقها في تطوير الفكر النسائي.

المجلة النسائية تخاطب كل الطبقات وتحاول إرضاءها

لطيفة بلبصير – قاصة وكاتبة في مجلة نساء من المغرب

لقد أمضيت تجربة تمتد إلى أكثر من أربع سنوات ضمن مجلة*نساء من المغرب* والحديث عن التجربة من الداخل غير الحديث من الخارج، ذلك أن العديد من التيمات نقترب منها أكثر حين نكتب عنها ونلامس قضاياها. فليست لدينا نفس الأذواق والاتجاهات مع الرجال، بل نحن نختلف عنهم في الأذواق والرغبات والمشارب، لكن لا يعني ذلك أن المجلة النسائية هي موجهة للنساء فقط وهذا هو الشائع، بحيث أن العديد من الرجال لا يقتنون هذه المجلات ويعتبرونها حائط مبكى النساء أو أنها متخصصة للموضة فقط. وهذا منظور مغلوط. فالمجلة النسائية هي إعادة نظر للعديد من المفاهيم المغلوطة في مجتمعاتنا العربية والتي أصبحت مسكوكة وجاهزة ومع الأسف أصبحت هذه الأفكار الجاهزة موطن العديد من الإشكالات التي تعيشها المرأة ويعيشها معها الرجل أيضا، لأن لا وجود لتطور نسائي دون تطور رجالي.

سيكون من الحيف إنكار الجهد المبذول في المجلات النسائية من مواضيع تخص المجتمع ومشاكله الخاصة والعامة، إضافة لما تتعرض له المرأة من تحرش أو عنف والسبب يكمن في أن واقع المرأة المغربية هو متعدد، فهناك العديد من الأنماط النسائية، وهن يختلفن حسب الطبقات، مثلا وضع المطلقة في الطبقة الميسورة ليس هو وضع المطلقة في الطبقة المتوسطة وأيضا لا يماثل وضع الفقيرة، لأن هناك مراتب، ولذا فإن أوضاع النساء لا تتشابه، وعليه فتناول قضية الطلاق سيكون متعددا، لأن الوضع الاجتماعي للمرأة يحتم نقاشا من مستوى آخر، والمجلة النسائية تحاول أن ترضي العديد من الطبقات رغم أن العديد من المواضيع تسقط في فخ التناقض بين الرجل والمرأة وتبدأ عدها الهجومي وهذا ليس بظاهرة صحية، بل ينبغي أن ينمحي هذا التصور، ذلك أن كلا الجنسين ينبغي أن يحققا نوعا من المصالحة مع بعضهما البعض وليس العكس، بأن تصبح للمجلة النسائية صوتا يهاجم الصوت الآخر، وهذا ما يفضي إلى نهاية مغلقة وحتما تؤذي تطور الفرد في مجتمعاتنا.

انتقاء المواضيع يمليه في بعض الأحيان ظروف ما يوجد من قضايا تمس الرأي العام، وهذا لا ينفصل عما تعيشه المرأة من قضايا، بحيث أن العديد من القضايا تكون ظرفية وتعيشها المرأة في فترة معينة، ولهذا فإن الكتابة عن القضايا ينبع مما يعيشه المجتمع من قضايا تكون ملحة، ولم لا يكون للمجلات النسائية هذا الدور في التوجيه أيضا، فهي محطة هامة في تاريخ المرأة، ورؤية نقدية للأوضاع أيضا.

ملامسة هموم المرأة سر نجاحها واستمراريتها

سميرة مغداد – كاتبة وصحفية بمجلة سيدتي

القيمة المضافة للمجلات النسائية هي أنها تتواصل مع النساء و تفتح آفاق التعبير عن همومهن و آمالهن.

وهي بالتأكيد تلامس هموم المرأة وإلا فكيف نبرر نجاح كثير من المجلات النسائية واستمراريتها؟. فهي تلبي طلبات القراء وتواكب تطور حاجاتهم في كل مناحي الحياة اليومية ، والمجلات النسائية ليست موجهة لكل النساء فردا فردا، هناك فئة مستهدفة وخط تحريري تتبناه كل مجلة على حدة وتحاول من خلاله تقديم المعلومة على أحسن وجه. وإلى حد الآن هناك تطور وتفاعل كبير من جل المجلات النسائية التي تحتفي بالثقافة والسياسة والتربية والأناقة ، فهي في تقديري تعبر عن غنى مهام نسائنا اللائي يستطعن أن يوزعن أدوارهن الأسرية والمهنية بكثير من النباهة والتوازن .

وما يفرض النشر هو ما يتطلبه الحدث و طبيعته والأهم مواكبة الجديد، نحن نواكب كل ما جد في عالم النساء الذي هو جزء أساسي من عالم مجتمع بكامله، دون إقصاء طبعا للرجل، لأن المواضيع في النهاية تصب في تعزيز مكانة الأسرة وتقويتها، وهذا شعار تحمله على سبيل المثال “سيدتي” كمجلة رائدة في العالم العربي منذ ما يناهز الخامس والثلاثين عاما من عمرها، وهو شعار “مجلة الأسرة العربية” ، ننتقي المواضيع وفقا للحدث ولما نراه ملائما من أجل تقديم منتوج جيد ومقروء يرضي فضول القراء ويستجيب لأذواقهم .

مجلات مخيبة للآمال وتهميش لشريحة كبيرة من النساء

سلوى ياسين – كاتبة بجريدة المساء

مع توالي إصدار المجلات النسائية، كان الأمل أن يشكل هذا التراكم الكمي، تنوعا و حيوية واختلافا في التطرق للمواضيع التي تخص المرأة. لكن للأسف أغلب المجلات النسائية المغربية سواء الناطقة بالفرنسية أو العربية تتشابه في إضاءتها لنفس الزوايا التي تتعلق بالمرأة والمجتمع عموما، وأحيانا تكتفي بإعادة نقل الواقع وتكريسه خصوصا في ما يتعلق بما يجب على المرأة أن تكونه وما تطبخه وما تلبسه وما يجب عليها أن تمتلكه إذا كانت ترجو أن تكون امرأة عصرية.

و تأكد كذلك الصورة القائمة عن اهتمام وهوس المرأة المفرط بالأناقة والتفاصيل والتجميل والهوس بالشباب الدائم وبالزواج. المجلات النسائية جدير بها أن تكون حاملة ومطورة للفكر النسائي، لكنها غالبا في هذا السياق تقدم صورة ذات مواصفات ثابتة عن المرأة المغربية لها غلبة الوجود والظهور عموما على صفحات المجلات النسائية وهي صورة المرأة ذات الانتماء إلى الطبقة المتوسطة والشابة أو متوسطة العمر. في حين تهمش المرأة العجوز، والمراهقة الصغيرة والفقيرات واللواتي يعشن وضعيات غير سوية. إلى جانب غياب واضح للتنوع العرقي واللغوي والثقافي والجغرافي الذي يميز المرأة المغربية.

لكن مع ذلك أحد فضائل وجود الكثير من المجلات النسائية الوطنية، هو تخليص المغربيات ولو جزئيا من بعض التبعية والانبهار الذي كان سائدا في وقت سابق بالمجلات الغربية المشرقية على حد سواء.

المجلات النسائية تخاطب المرأة كشفاه تحتاج لطلاء بلون الورد

إكرام عبدي- شاعرة وكاتبة بجريدة الشرق الأوسط

تنسرب من بين شقوق الزمن صورة تلك الطفلة التي كنتها، ألح عند كل امتحان موحد سأجتازه، أن ألبس ملابس جديدة، وأنا في طريقي للامتحان، كنت أتساءل: ترى هل ستكون نتائجي بمثل جمال كسوتي الأنيقة؟، كنت أصر على هذا التماهي بين ما هو فكري وعقلي وما هو جسدي، فما فائدة جمال الجسد إن لم يصاحبه جمال روحي شفيف وفكري عميق، هكذا من اللازم أن تخاطب المجلات النسائسة المرأة المغربية كروح وكجسد، للأسف فالصحف والمجلات كما تقول نوال السعداوي حين تخاطب المرأة، تخاطبها كطبقة من الجلد تحتاج إلى تدليك بأنواع خاصة من الكريم، كرموش تحتاج إلى تقوية وتغذية، وكشفاه تحتاج إلى طلاء بلون الورد، وكشعر يحتاج إلى صبغات تتناسب مع لون الفستان، مما رسخ في أذهان الفتاة الناشئة تلك النظرة التبخيسية لكيانها وصرفها عن مجالات تحقق فيها ذاتها لميادين ألصقت بطبيعة الأنثى وكرس في نفسها قناعة بأن العلم والعقل أمران ثانويان وتغلغل هذا الإحساس في عمقها لدرجة تكونت لها قناعة بأنها غير مخلوقة إلا للمكانة التي أعطيت لها،وتكرس لدى المرأة أن الجمال الجسدي والفكري يتنافران، وأن المرأة يكفيها أن تكون جميلة جسديا كي تحقق كينونتها، بينما المجلات النسائية من واجبها تكريس صورة أخرى للمرأة المغربية، التي تولي أهمية قصوى لأناقة الروح والفكر والجسد. بحيث تخلو المجلات النسائية في أغلبها من صورة المرأة المثقفة والسياسية، كي تحل محلها المرأة المقاولة والممثلة والمطربة والرياضية بشكل مهيمن .

المجلات النسائية لابد أن تنتبه أن المجتمع المغربي تهيمن عليه نسبة أمية كبيرة، كما أن أغلب النساء هن ربات البيوت وموظفات وعاملات ذوات دخل متوسط، لهذا فمن الصعب أن تصرف المرأة كل دخلها على جسدها، وعلى اقتناء عطور وماكياج بأثمنة خيالية، ومن الضروري الانتباه أن الجمال الجسدي يمكن أن نخلقه بامكانيات تقليدية بسيطة نابعة من خصوصيتنا الثقافية المغربية على غرار جداتنا وأمهاتنا، وأن الأمر لا يحتاج لكل تلك الماركات العالمية.

 

Comments are closed.