السينما الجديدة بالمغرب تلجأ إلى “الجمهور عايز كده”
تشهد السينما المغربية، في الفترة الأخيرة، نوعا من اللجوء المتعمد إلى “جرأة” فنية مبالغ فيها، من قبيل التطرق إلى تابوهات اجتماعية بطريقة فجة أحيانا، أو مشاهد تعرض الجسد الأنثوي بدون مبرر، أو التركيز على حوارات بذيئة ولقطات عنيفة بلا دواع فنية ولا مسوغات منطقية أحيانا أخرى.
وتوجه مخرجون مغاربة من الجيل الجديد إلى إنجاز أفلام سينمائية لقيت الكثير من الجدل والانتقادات، لاعتمادها على الجرأة والإثارة الجسدية، من أجل تلبية شعار ” الجمهور عايز كده”، وتحقيق أعلى المداخيل والأرباح، باعتبار أن قطاعا عريضا من جمهور السينما يحب الأفلام التي تقتحم التابوهات الاجتماعية، مع إضافة بعض التوابل التي تجعلها بضاعة رائجة في سوق السينما.
نقل الواقع؟
أفلام مثل “كازانيغرا”، و”سميرة في الضيعة” و”عيون جافة” و”عاشقة الريف” و فيلم “فيلم” و”جناح الهوى” “.. وغيرها من موجة عارمة للأفلام المغربية الجديدة، تحفل بكثير من “الجرأة” التي تتجاوز الإبداع الفني، لتشكل نشازا على عيون المشاهدين وأذواقهم، وهو ما يفسر عبارات الاستياء والانتقادات الهائلة التي يصوبونها نحو أصحاب هذه الأفلام، لكن بالمقابل لا يمكن إنكار أن هذه الأفلام تجذب جمهورا متعطشا لمشاهدة أشرطة سينمائية مغربية لتشجيع الإنتاج المحلي، وللإطلاع على ما يثير الجدل في هاته الأفلام.
شريط “كازانيغرا”، مثلا، للمخرج نور الدين الخماري استقطب آلاف المغاربة إليه في القاعات السينمائية القليلة التي توجد في البلاد، لكن سرعان ما أدرك هؤلاء الآلاف بأنه فيلم يتضمن الكثير من المأساوية والسوداوية على مستوى الحوار، وفي ثنايا المشاهد العنيفة “الفجة”، بحسب عدد غير قليل من النقاد السينمائيين.
وحفل الفيلم الذي عُرض في أكبر الصالات السينمائية بالبلاد بحوارات بذيئة أحيانا بين البطلين الشابين للشريط، والكثير من السباب والشتائم التي تُستخدم في لغة الشارع السُّفلي من المجتمع، الشيء الذي جعل المشاهدين ينقسمون إلى فئتين اثنتين، الأولى ترى أن ما أورده هذا الفيلم ليس سوى نقل حرفي للواقع الصعب الذي تعيشه الشرائح الشعبية المُهَمشة في مدينة/غول مثل الدار البيضاء، حيث يضيع الإنسان وسط متاهات الحياة، فلا يقوى على الاستمرار، ولا العيش فيها سوى القوي بجسده والمتماسك بأعصابه.
أما الفئة الثانية من الجمهور فوجدت في فيلم “كازانيغرا” ـ على سبيل المثال ـ شريطا يجمع كل أصناف الشتائم وألوان العراك المُستقاة من صعاليك الشارع ومنحرفيه، بطريقة لا تليق بإنتاج فني وسينمائي، وأنه كان من الممكن تفادي حشو الفيلم بتلك المشاهد العنيفة والمؤذية، وأيضا اللقطات الساخنة بأخرى أكثير إيحاء وذكاء، احتراما لأذواق العديد من عُشاق السينما.
بضاعة فاسدة
وجاء فيلما المخرجة المغربية نرجس النجار “عيون جافة” و”عاشقة من الريف” ليحتفيا بالجسد الأنثوي أكثر من اللازم، بداعي تكسير التابوهات والمحرمات الاجتماعية، أو تحت مسمى كشف واقع المرأة المغربية في المجتمع العميق والهامشي، فلجأت المخرجة في الفيلمين معا إلى إهانة النساء أكثر من تكريمهن، من حيث تدري أو لا تدري، وفق نقاد كُثُر عابوا على المخرجة طريقة تناولها للمواضيع المسكوت عنها، باعتبار أن الغاية لا تبرر الوسيلة دائما.
فيلم “عاشقة الريف” عرض قضية فتاة شابة جميلة سقطت في براثين عصابات المخدرات، لتجد نفسها خلف قضبان السجن، فاستعرضت كاميرا المخرجة العديد من المشاهد المقززة، زيادة على تركيزها على تصوير مشاهد ساخنة بين سجينات نساء، ولقطات أخرى من الشذوذ الجنسي، وهو الأمر الذي دفع بالعديد من الجمهور إلى مقاطعة الفيلم عبر الخروج من قاعة العرض مبكرا.
فيلم “سميرة في الضيعة” للمخرج لطيف لحلو، هو الآخر من هذه الطينة من الأفلام التي تعتمد على الإثارة المجانية، حيث عالج قصة زوجة تعاني من الحرمان الجنسي والعاطفي، فتلتقي بشاب فحل يعوضها عن حياة الألم التي تعيشها مع زوجها المريض.
ويندرج فيلم “فيلم”، الذي عُرض في القاعات السينمائية بالمغرب وتم سحبه من طرف بعض الصالات بالدار البيضاء بسبب بعض مشاهده “الصادمة”، في سياق موجة الأفلام الجديدة التي تحاول تكسير التابوهات، اعتمادا على الإثارة الفنية، حيث إنه بالرغم من جدة مضمون قصة الفيلم إلا أنه سقط في المحظور، من خلال امتلائه بالكلام البذيء واللقطات الساخنة التي لا مبرر منطقي لها.
رفض سينما الإثارة
ويعلق الناقد السينمائي مصطفى الطالب على هذا الصنف من الأفلام التي تبحث عن بلوغ شعار ” الجمهور عايز كده”، بأن مخرجيها لا يقدمون رؤية فلسفية للعالم تحكمها خلفية فنية، وإنما فقط “تقيئ” بعض المكبوتات والاستيهامات الجنسية التي تسيطر على المراهقين، مع تكريس نظرة معينة للسينما على أنها ماخور يعبث فيه كل من يلجه، ناسين أن السينما التي تسعى لتقديم الفرجة والمتعة الفنية والموضوعاتية، هي فعل ثقافي بامتياز يؤسس لمفهوم التغيير الايجابي في المجتمع.
ويستطرد الطالب بأن الرأي العام المغربي يرفض مثل هذه الأشرطة السينمائية التي لا تستهوي إلا شريحة معينة من الشباب، ولذلك نرى انسحابات كثيرة عند عرض مثل هذه الأشرطة..
وتساء المتحدث: لماذا يتم التشجيع على مثل هذه الأعمال السينمائية؟ لماذا لا تتدخل الدولة التي تمول وتدعم السينما المغربية من أموال الشعب في هذه الأعمال لتقويمها؟ هل حرية التعبير تقتضي ضرب كل مقومات الهوية المغربية المتعارف عليها، والتي ركز عليها الدستور المغربي الجديد؟.
وأبرز الناقد بأن كل إبداع ينطلق من بيئته الثقافية والاجتماعية حيث يعكس هوية معينة، ومن هنا نتحدث عن السينما الايطالية والسينما الفرنسية والسينما الأمريكية…بمعنى أنها تعبر عن مقومات هوية شعب ومبدعين ما، حتى ولو لامست مواضيع إنسانية شاملة. فالوصول إلى العالمية، يخلص الناقد، يمر بالمحلية التي تعكس الخصوصية الثقافية، وإلا فالتنميط يخنق الإبداع لأنه تقليد؛ والتقليد يعبر عن أزمة هوية وأزمة تحرر لدى المبدع، كما هو الشأن لمخرجينا السينمائيين الحاليين الذي يعيشون ازدواجية في شخصيتهم، وفي مفاهيمهم للحياة وللفن..