مرة أخرى تغيب المهنية في دوزيم !!

 

مرة أخرى تغيب المهنية في دوزيم !!

أثارت قضية تصريحات الشيخ عبد الله النهاري الأخيرة ضد المختار الغزيوي رئيس تحرير جريدة الأحداث المغربية سؤال المهنية في وسائل الإعلام ببلادنا، فالتغطية الإعلامية التي قامت بها القناة الثانية لملف حساس من هذا القبيل، أوضحت بما لايدع مجالا للشك منطق التحكم في المشهد السمعي البصري، واستمرار عبث “البوليس الإعلامي” في إدكاء الفتنة في المجتمع وإلهاء الناس بنقاشات فارغة…

الحملة التي تقوم بها منذ أسابيع عدد من المنابر الإعلامية المحسوبة على تيارات معينة !! والتي تدعو إلى الحرية الجنسية، هي حملة قديمة جديدة، بل هي بمثابة فزاعة مهترئة ينفض عنها هؤلاء الغبار كلما ارادوا خوض معاركهم “الدونكيشوتية”، فليس جديدا هذا النقاش، لكن المثير .. لماذا يطرح من جديد هذا الموضوع على النقاش العمومي؟ وماهي مبررات طفوح هذا الملف الساخن إلى السطح في هذا التوقيت بالضبط؟؟

لست هنا لأجيب فأنا أحترم ذكاءكم، لكن دعوني أشارككم إحساسي وأنا أتابع وعلى مدى يوميين نشرات الأخبار في القناة الثانية، بخصوص موضوع تصريحات النهاري واتهامه بالتحريض على القتل من قبل جريدة الأحداث المغربية ورئيس تحريرها مختار لغزيوي.. فالقناة متعمدة أوردت روبورتاجا حول الموضوع بصيغة اتهام للنهاري ومناصرة الغزيوي ـ الذي لم يظهر للإشارة في الروبورتاج ـ لكن مدير الجريدة التي يعمل بها حاول إظهاره كما لو انه ضحية سينفذ فيه حكم جائر بالإعدام من قبل “محكمة النهاري الجنائية”، الروبورتاج خصص بالكامل لجريدة الأحداث ومديرها محمد البريني، ولعدد من الصحافيين المناصرين للغزيوي دون أن يكلف المسؤولون عن الأخبار بالقناة أنفسهم عناء الاتصال بعبد الله النهاري وأخذ رأيه في موضوع ذكر فيه بالاسم وظهر فيه بالصوت والصورة .. وهذا قمة العبث؟

إن المهنية التي يتبجح بها مسؤولوا الأخبار بقناة عين السبع تفرض أن يتم الحديث إلى الطرفين معا، وإعطائهما فرصة الدفاع عن مواقفهما بنفس القدر من الوقت، وحتى وإن لم يتحدثا هما بنفسيهما كما هو الشأن في الروبورتاجين الذين تناولا الموضوع، فإنه يجب إعطاء الفرصة للرأيين المختلفين معا وأخذ مسافة من الموضوع.. وهذا ما لم يتم إطلاقا.

لقد زادت القناة الثانية الطين بلة عندما لم تكتف ببث الروبورتاج الأول عن الموضوع مساء الخميس والذي تدين فيه الشيخ النهاري نهارا جهارا وتتهمه بالتحريض على القتل وهي العبارة التي تكررت مرارا على لسان الصحافي المبتدئ الذي أعد الروبورتاج؟؟ بل زادت على ذلك باستضافة مدير جريدة الأحداث المغربية ضيفا على نشرة المسائية يوم الأحد بمناسبة فتح تحقيق في الموضوع من قبل النيابة العامة بوجدة، وانجاز روبورتاج أخر يعطي الكلمة لمناصري الغزيوي ويكيل التهم للنهاري، ومن خلال التأمل في هذا الروبورتاج يتضح مايلي:

أن هذا الروبورتاج أعد بطريقة تشتم منها رائحة التعليمات الفوقية من قبل “المسؤولين” الذين حاولوا إدانة الشيخ عبد النهاري في وقت يعرض فيه الملف على أنظار العدالة

أن القناة حاولت جاهدة إعطاء زخم للموضوع من خلال الحديث عن تعبئة للجمعيات الحقوقية، ومنظمات المجتمع المدني في مناهضة تصريحات النهاري، وأخذت تصريحات عضو بالمنظمة المغربية لحقوق الانسان فرع الدار البيضاء، والمثير في هذا التصريح أن ممثل الجمعية لم يستضف القناة في مقر جمعيته كما جرت العادة في التصريحات العادية، بل هي من استضافته في مقرها والصور التي ظهرت هي من داخل القناة والمكتب الذي يجلس فيه ذلك الشخص هو داخل دوزيم؟؟؟

غياب الحكمة عند هؤلاء دفعهم إلى أخذ رأي خديجة الرويسي التي يعرف الجميع انتماءها السياسي والإيديولوجي قبل كل شيء، حيث وصفت بالفعاليات الحقوقية.. وتم تقديمها برئيسة “بيت الحكمة”؟؟

إن الحكمة كانت تقتضي من مديرية الأخبار أن تنأى بنفسها عن الخوض في موضوع حساس كهذا، لأن الخوض فيه بتهور هو لعب بالنار.. وحتى ولو اقتضى الأمر ذلك كان من المفروض أن تأخذ رأي الطرفين معا، وأن تترك المجال للخصمين للدفاع عن موقفيهما مع أخذ نفس المسافة من الجميع، دون مناصرة طرف على آخر خصوصا وأن الملف أصبح اليوم بيد القضاء.. فما معنى أن تستضيف طرفا في الموضوع ضيفا في نشرتك، وتفرد له روبورتاجا خاصا لإعلان مناصرته والوقوف إلى جانبه بطريقة مفبركة !! بينما لا يعطى الحق للطرف الثاني في الدفاع عن نفسه.

لست هنا للدفاع عن الشيخ عبد النهاري، فأنا لن أقبل أبدا أن يتم تبرير سفك دم انسان دون وجه حق ـ إن كان قال هذا الكلام ـ ولن أدافع عن الغزيوي لأنني لن أقبل أن يتحدث عن الحرية الفردية بهذا الاستخفاف والعبث، بل أنا هنا أدافع وبقوة عن شئ اسمه المهنية في إعلامنا العمومي، هذا الإعلام ليس حكرا على طرف دون آخر، ليس من حق المسؤولين في قناة عمومية أن يناصروا طرفا على أخر في موضوع معروض على المحكمة، وأن يصفوا حساباتهم السياسوية والإيديولوجية مع هذا أو ذاك، هذا الإعلام هو ملك للجميع، ومن حق المغاربة أن يسمعوا كل الأصوات فيه، لا أن يسمعوا نفس الأصوات ويروا نفس الوجوه التي لا توجد في اللائحة السوداء التي تزعج بعض المتنفذين في القناة.

دليل آخر ينضاف إذا إلى لائحة الأخطاء المهنية القاتلة التي ترتكبها مديرية الأخبار بدوزيم، اليوم وبعد كل هاته المحطات التي مر منها المغرب، وبعد هذا الحراك الشعبي الذي سبق وأن عبر عن غضبه من بعض رموز الفساد الإعلامي، نحتاج إلى وقفة تأمل مع هؤلاء لنسائلهم… إلى أين تسيرون بالتلفزيون العمومي الذي يموله الشعب؟؟؟

Comments are closed.